فصل: قال الطبري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

الكيد هو أن يحتال الإنسان ليوقع غيره في مكروه، وابن عباس فسّر الكيد هاهنا بالعداوة. اهـ.
فصل:
قال الفخر:
معنى الآية: أن كل من صبر على أداء أوامر الله تعالى واتقى كل ما نهى الله عنه كان في حفظ الله فلا يضره كيد الكافرين ولا حيل المحتالين.
وتحقيق الكلام في ذلك هو أنه سبحانه إنما خلق الخلق للعبودية كما قال: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] فمن وفى بعهد العبودية في ذلك فالله سبحانه أكرم من أن لا يفي بعهد الربوبية في حفظه عن الآفات والمخافات، وإليه الإشارة بقوله: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3] إشارة إلى أنه يوصل إليه كل ما يسره، وقال بعض الحكماء: إذا أردت أن تكبت من يحسد فاجتهد في اكتساب الفضائل. اهـ.

.قال النسفي:

وهذا تعليم من الله وإرشاد إلى أن يستعان على كيد العدو بالصبر والتقوى.
وقال الحكماء: إذا أردت أن تكبت من يحسدك فازدد فضلًا في نفسك. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}:

.قال الطبري:

وقوله: {إنّ الله بما يعملون محيطٌ}، يقول جل ثناؤه: إن الله بما يعمل هؤلاء الكفار في عباده وبلاده من الفساد والصدّ عن سبيله، والعداوة لأهل دينه، وغير ذلك من معاصي الله {محيط} بجميعه، حافظ له، لا يعزب عنه شيء منه، حتى يوفيهم جزاءهم على ذلك كله، ويذيقهم عقوبته عليه. اهـ.

.قال الفخر:

قرئ بما يعملون بالياء على سبيل المغايبة بمعنى أنه عالم بما يعملون في معاداتكم فيعاقبهم عليه، ومن قرأ بالتاء على سبيل المخاطبة، فالمعنى أنه عالم محيط بما تعملون من الصبر والتقوى فيفعل بكم ما أنتم أهله. اهـ.
فصل:
قال الفخر:
إطلاق لفظ المحيط على الله مجاز، لأن المحيط بالشيء هو الذي يحيط به من كل جوانبه، وذلك من صفات الأجسام، لكنه تعالى لما كان عالمًا بكل الأشياء قادرًا على كل الممكنات، جاز في مجاز اللغة أنه محيط بها، ومنه قوله: {والله مِن وَرَائِهِمْ مُّحِيطٌ} [البروج: 20] وقال: {والله مُحِيطٌ بالكافرين} [البقرة: 19] وقال: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] وقال: {وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وأحصى كُلَّ شيء عَدَدًا} [الجن: 28]. اهـ.

.قال أبو حيان:

قالوا: وتضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة والفصاحة.
منها: الوصل والقطع في {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة}.
والتكرار: في أصحاب النار هم.
والعدول عن اسم الفاعل إلى غيره: في يتلون وما بعده، وفي يظلمون.
والاكتفاء بذكر بعض الشيء عن كله إذا كان فيه دلالة على الباقي في: يؤمنون بالله واليوم الآخر.
والمقابلة: في تأمرون وتنهون، وفي المعروف والمنكر.
ويجوز أن يكون طباقًا معنويًا، وفي حسنة وسيئة، وفي تسؤهم ويفرحوا.
والاختصاص: في عليم بالمتقين، وفي أموالهم ولا أولادهم، وفي كمثل ريح، وفي حرث قوم ظلموا أنفسهم، وفي بذات الصدور.
والتشبيه: في مثل ما ينقون، وفي بطانة، وفي عضوا عليكم الأنامل من الغيظ على أحد التأويلين، وفي تمسسكم حسنة وتصبكم سيئة.
شبه حصولهما بالمس والإصابة، وهو من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، والصحيح أن هذه استعارة.
وفي محيط شبه القدرة على الأشياء والعلم بها بالشيء المحدق بالشيء من جميع جهاته، وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس.
والتجنيس المماثل: في ظلمهم ويظلمون، وفي تحبونهم ولا يحبونكم، وفي تؤمنون وآمنا، وفي من الغيظ وبغيظكم.
والالتفات: في وما تفعلوا من خير فلن تكفروه على قراءة من قرأ بالتاء، وفي ما تعملون محيط على أحد الوجهين.
وتسمية الشيء باسم محله: في من أفواههم عبر بها عن الألسنة لأنها محلها.
والحذف في مواضع. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ الله وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ الله وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بأنهمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ الله آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَالله عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ الله شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ الله وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)}.
التفسير: هذا خبر آخر من مستقبلات أحوال اليهود المعلومة بالوحي. والمعنى ضربت عليهم الذلة والهوان في عامة الأحوال بالقتل والسبي والنهب أينما وجدوا إلا معتصمين أو متلبسين أي إلا في حال اعتصامهم {بحبل من الله وحبل من الناس} يعني ذمة الله وذمة المسلمين، فهما في حكم واحد أي لا عزلهم قط إلا هذه الواحدة وهي التجاؤهم إلى الذمة بقبول الجزية، فحينئذٍ يكون دمهم محقونًا ومالهم مصونًا وهو نوع من العزة وقيل: حبل الله الإسلام، وحبل الناس الذمة. فعلى هذا يكون الواو بمعنى أو. وقيل: ذمة الله الجزية المنصوص عليها، وذمة الناس ما يزيد الإمام عليها أو ينقص بالاجتهاد. وإنما صح الاستثناء المفرغ من الموجب نظرًا إلى المعنى لأن ضرب الذلة عليهم معناه لا تنفك عنهم {وباؤا بغضب من الله} قيل: أنه من قولك تبوأ فلان منزل كذا والمعنى مكثوا في غضب الله. وسواء قولك حل بهم الغضب وحلوا بالغضب.
{وضربت عليهم المسكنة} عن الحسن أن المراد بها الجزية، وإنما أفردت بالذكر بعد الاستثناء ليعلم أنها باقية غير زائلة بعد اعتصامهم بالذمة.
وقال آخرون: المراد أنك لا ترى منهم ملكًا قاهرًا ولا رئيسًا مطاعًا لكنهم مستخفون في جميع النواحي والأكناف، يظهرون من أنفسهم الفقر والمدقعة ألبتة. وباقي الآية قد مر تفسيره في البقرة إلا أنه سبحانه قال في هذا الموضع من هذه السورة وفي النساء {الأنبياء بغير حق} لأن جمع التكسير يفيد التكثير فذكر في الموضعين أعني في البقرة وفي أول السورة ما ينبئ عن القلة مع أن ذلك موافق لما بعده من جموع السلامة كالذين والصابئين وغيرهما. ثم تدرج إلى ما هو نص في الكثرة في الموضعين الآخرين نعيًا علهيم وتفظيعًا لشأنهم، ولمثل هذا عرّف الحق في البقرة إشارة إلى الحق الذي أذن الله أن تقتل النفس به وهو قوله: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} [الأنعام: 151] ثم نكر في المواضع الباقية أي يغير ما حق أضلالًا في نفس الأمر ولا بحسب معتقدهم وتدينهم.
{لسوا سواء} كلام تام وما بعده كلام مستأنف للبيان. قال الفراء وابن الأنباري: تقديره من أهل الكتاب أمة قائمة ومنهم أمة مذمومة، إلا أنه أضمر ذكر هذا القسم على مذهب العرب من الاكتفاء بأحد الضدين لخطورهما بالبال معًا غالبًا. قال أبو ذؤيب:
عاني إليها القلب إني لآمرها ** مطيع فما أدري أرشد طلابها؟

أراد أم غيّ فاكتفى بذكر الرشد عن ضده. وتقول: زيد وعبد الله لا يستويان، زيد عاقل دين ذكي. فيغني هذا عن أن يقال: وعبد الله ليس كذلك. وقيل: وهو اختيار أبي عبيدة أن {أمة} مرفوعة بـ {ليس} على لغة من قال: أكلوني البراغيث. أو هو بدل من الضمير على نحو: {أسروا النجوى الذين ظلموا} [الأنبياء: 3] والتقدير: ليسوا سواء أمة قائمة وأمة مذمومة. وفي تفسير أهل الكتاب قولان: الأول وعليه الجمهور أنهم اليهود والنصارى. قال ابن عباس ومقاتل: لما أسلم عبد الله بن سلام وأضرابه قالت أحبار اليهود: ما آمن بمحمد إلا شرارنا، ولو كانوا من خيارنا لما تركوا دين آبائهم وقالوا لهم: لقد خسرتم حين استبدلتم بدينكم دنيًا غيره فنزلت.
وعن عطاء أنها نزلت في أربعين من أهل نجران، واثنين وثلاثين من الحبشة، وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى وصدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم الثاني أنهم كل من أوتي الكتاب من أهل الأديان فعلى هذه يكون المسلمون منهم.
عن ابن مسعود قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء، ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال: أنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله في هذه الساعة غيركم. وفي رواية: فبشر صلى الله عليه وسلم أنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب فأنزل الله هذه الآيات {ليسوا سواء} إلى قوله: {والله عليم بالمتقين} قال القفال رحمه الله: لا يبعد أن يقال: أولئك الحاضرون كانوا نفرًا من مؤمني أهل الكتاب.
فقيل: ليس يستوي من أهل الكتاب هؤلاء الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فأقاموا صلاة العشاء في الساعة التي ينام فيها غيرهم مع أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا. ولا يبعد أيضا أن يقال: المراد كل من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فسماهم الله أهل الكتاب كأنه قيل: أولئك الذين سموا أنفسهم بأهل الكتاب حالهم وصفتهم تلك الخصال الذميمة، والمسلمون الذين سماهم الله تعالى أهل الكتاب حالهم وصفتهم كذا فكيف يستويان؟ فيكون الغرض من هذه الآية تقرير فضيلة أهل الإسلام تأكيدًا ما تقدم من قوله: {كنتم خير أمة} [آل عمران: 110] كقوله: {أفمن كان مؤمنًا كمن كان فاسقًا لا يستوون} [السجدة: 18] ثم أنه تعالى مدح الأمة المذكورة بصفات ثمان: الأولى: أنها قائمة. قيل: أي في الصلاة. وقيل: ثابتة على التمسك بدين الحق ملازمة له غير مضطربة. وقيل: أي مستقيمة عادلة من قولك: أقمت العود فقام بمعنى استقام. وهاهنا نكتة وهي أن الآية دلت على أن المسلم قائم بحق العبودية. وقوله: {قائما بالقسط} [آل عمران: 18] دل على أن المولى قام بحق الربوبية وهذه حقيقة قوله: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} [البقرة: 40] الصفة الثانية: {يتلون} أي أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل. فالتلاوة القراءة. وأصل الكلمة الإتباع. فكأن التلاوة هي إتباع اللفظ، وآيات الله القرآن. وقد يراد بها أصناف مخلوقاته الدالة على صانعها. وآناء الليل ساعاته واحدها أنى مثل معًا وأني وأنوا مثل نحى وتلو.
الصفة الثالثة: {وهم يسجدون} يحتمل أن يكون حالًا من {يتلون} كأنهم يقرأون في القرآن السجدة تخشعًا إلا أن ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا إني نهيت أن أقرأ راكعًا وساجدًا» يأباه وأن يكون كلامًا مستقلًا أي يقومون تارة ويسجدون أخرى ويبتغون الفضل والرحمة بكل ما يمكن كقوله: {يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا} [الفرقان: 64] قال الحسن: يريح رأسه بقدميه وقدميه برأسه وذلك لإحداث النشاط والراحة، وأن يكون المراد: وهم يصلون ويتهجدون. والصلاة تسمى سجدة وركعة وسبحة، وأن يراد وهم يخضعون لله كقوله: {ولله يسجد من في السموات والأرض} [الرعد: 15] وعلى هذين الاحتمالين لا منع من كونه حالًا. الصفة الرابعة: {يؤمنون بالله واليوم الآخر} فالصفات المتقدمة إشارة إلى كمال حالهم في القوة العملية. وهذه إشارة إلى كمالهم بحسب القوة النظرية، فإن حاصل المعارف معرفة المبدأ والمعاد. ولا يخفى أن غير مؤمني أهل الكتاب ليسوا من القبيلين في شيء بسبب تحريفاتهم واعتقاداتهم الفاسدة. الخامسة والسادسة: {ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} وهاتان الصفتان إشارة إلى أنهم فوق التمام وذلك لسعيهم في تكميل الناقصين بإرشادهم إلى ما ينبغي ومنعهم عما لا ينبغي.
وفيه تعريض بالأمة المذمومة أنهم كانوا مداهنين.
وعن سفيان الثوري: إذا كان الرجل محببًا في جيرانه محمودًا عند إخوانه فاعلم أنه مداهن. الصفة السابعة {يسارعون في الخيرات} أي المذكورات كلها وهي من صفات المدح لأن المسارعة في الخير دليل فرط الرغبة فيه حتى لا يفوت ففي التأخير آفات. وما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «العجلة من الشيطان» مخصوص بهذه الآية. على أنها لا تفيد كلية الحكم لأن القضية أهملت إهمالًا، كيف لا والأمور متفاوتة.
منها ما يحمد فيه التأخير لكونه مما يحصل على مهل وتدريج فلو طلب منه خلاف وضعه فات الغرض وضاع السعي، أو لكونه غير معلوم العاقبة فيفتقر إلى مزيد تدبر وتأمل. ومنها ما يحمد فيه التعجيل لضد ما قلنا فتنتهز فيه الفرصة وتغتنم، فإن الفرص تمر مر السحاب. قال صلى الله عليه وسلم: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغنالك قبل فرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك» الصفة الثامنة: {أولئك من الصالحين} وذلك أن الأمور بخواتيمها والعاقبة غير معلومة إلا في علم الله تعالى فإذا أخبر عنهم بانخراطهم في سلك الصالحين فذلك المقصود وقصارى المجهود. ثم شرط للأمة الموصوفة بل بجميع المكلفين إيصال الجزاء إليهم ألبتة تأكيدًا للإخبار عنهم بقوله: {وأولئك من الصالحين} فقال: {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه} أي لن يحرموا ثوابه ولن يمنعوه. فضمن الكفران معنى الحرمان ولهذا يعدى إلى مفعولين، مع أن الأصل فيه التعدية إلى واحد نحو: شكر النعمة وكفرها. وسمى منع الجزاء كفرًا كما سمى إيصال الثواب شكرًا في قوله: {فإن الله شاكر عليم} [البقرة: 158] ثم ختم الكلام بقوله: {والله عليم بالمتقين} مع أنه عالم بكل الأشياء بشارة لهم بجزيل الثواب، ولدلالة على أنه لا يفوز عنده بالكرامة إلا أهل التقوى، وتنبيهًا على أن الملتزم لوعدهم هو معبودهم الحق القادر الغني الحميد الخبير الذي لا غاية لكرمه ولا نهاية لعلمه، فما ظنك بمثيب هذا شأنه؟! ثم بين أحوال أهل الشقاء بقوله: {إن الذين كفروا} الآية. وقد سبق تفسير مثله من أول السورة. ثم أنه لما بين أن أموال الكفار لا تغني عنهم شيئًا أمكن أن يخطر ببال أحد أن الذي ينفقون منه في وجوده الخيرات لعلهم ينتفعون بذلك فأزال ذلك الوهم بقوله: {مثل ما ينفقون} الآية. قال أكثر المفسرين وأهل اللغة: الصر البرد الشديد. وهو منقول عن ابن عباس وقتادة والسدي وابن زيد. وفي الصحاح: الصر بالكسر برد يضر بالنبات والحرث. وعلى هذا فمعنى الآية: كمثل ريح فيها برد وذلك ظاهر. وجوز في الكشاف أن يكون الصر صفة معناه البارد فيكون موصوفة محذوفًا بمعنى فيها قرّة صر كما تقول: برد بارد على المبالغة، أو تكون في تجريدية كما يقال: رأيت فيك أسدًا أي أنت أسد، وإن ضيعني فلان ففي الله كافٍ وكافل.